مي (سويسرا): يُصادف اليوم مرور خمسة وسبعين عامًا على انطلاق البطولة الأبرز للاتحاد الدولي لكرة السلة، كأس العالم لكرة السلة
مع اقتراب انطلاق النافذة الأولى من التصفيات المؤهلة لكأس العالم لكرة السلة قطر 2027 في نوفمبر المقبل، تظل العودة إلى جذور البطولة خير دليل على مسيرة كرة السلة العالمية وانتشارها عبر مختلف القارات.
لم تكن النسخة الافتتاحية لبطولة كأس العالم لكرة أول حدث عالمي يجمع منتخبات من قارات مختلفة فحسب، بل شهدت الألعاب الأولمبية في برلين عام 1936 إقامة أول بطولة دولية للرجال.
بسبب تداعيات الحرب العالمية الثانية، غابت البطولات الدولية الكبرى لكرة السلة عن الساحة العالمية لفترة طويلة، حتى عاد العالم لمتابعة منافساتها مجددًا في دورة الألعاب الأولمبية بلندن 1948.
أقرّ المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لكرة السلة تنظيم كأس العالم لكرة السلة، الذي كان يُعرف سابقًا باسم بطولة العالم، دوريًا كل أربع سنوات بين دورات الألعاب الأولمبية، لتصبح هذه البطولة محطة رئيسية للتنافس على الصعيد الدولي.
اختيرت الأرجنتين لاستضافة النسخة الأولى من البطولة لعدة أسباب، أبرزها عدم قدرة الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية على تحمل الأعباء المالية والتنظيمية لمثل هذا الحدث الضخم، إضافةً إلى مكانة الأرجنتين كأحد الدول المؤسسة للاتحاد الدولي لكرة السلة عام 1932، علاوة على العلاقة الوثيقة التي ربطت بين الأرجنتين والأمين العام للاتحاد آنذاك، ويليم جونز.
كانت رؤية حكومة الرئيس خوان دومينغو بيرون تتمثل في تعبئة الأمة حول بطولة رياضية عالمية تضاهي كأس العالم لكرة القدم (فيفا) التي أُقيمت في البرازيل عام 1950.
أعلنت الأرجنتين رسميًا أن البطولة تأتي تكريمًا للذكرى المئوية لوفاة الجنرال خوسيه دي سان مارتين، الشخصية الأسطورية في استقلال أمريكا اللاتينية وأحد أبرز مؤسسي الدولة الأرجنتينية، وقد حملت الكأس الممنوحة اسمه تخليداً لذكراه.
شهدت النسخة الأولى من بطولة كأس العالم لكرة السلة في بوينس آيرس مشاركة عشرة منتخبات تنافست على لقب البطولة.
حجزت الولايات المتحدة وفرنسا والبرازيل مقاعدها في كأس العالم لكرة السلة بعد صعودها إلى منصة التتويج في الألعاب الأولمبية 1948. كما تأهلت الأوروغواي وتشيلي باعتبارهما أفضل منتخبين في بطولة أمريكا الجنوبية 1949. أما مصر، التي لم تكن تمتلك بطولة إفريقية آنذاك، فقد استضافت وفازت بـ بطولة أوروبا لكرة السلة (يورو باسكت) 1949، لتضمن بذلك مقعدها في البطولة العالمية. ومن المصادفات المدهشة أن مصر استضافت النسخة الأولى من بطولة إفريقيا لكرة السلة (أفرو باسكت) عام 1962.
شاركت كوريا في النسخة الأولى من البطولة إلى جانب الدولة المضيفة الأرجنتين، في حين ضمنت إسبانيا وإيطاليا مقعديهما في كأس العالم بعد تقديم عروض قوية في التصفيات التي أقيمت بمدينة نيس الفرنسية.
طرأت تغييرات على قائمة المنتخبات المشاركة، حيث انسحبت إيطاليا بسبب بعض الصعوبات، فحلّت يوغوسلافيا، صاحبة المركز الثالث في تصفيات نيس مكانها، كما أعلنت كوريا انسحابها كذلك.
وتفاقمت الأحداث، حيث انسحبت الأوروغواي أيضًا بعد أن رفضت الأرجنتين منح تصاريح الدخول لبعض صحفييها الإذاعيين، الذين كانت محطاتهم قد بثّت برامج انتقدت حكومة بيرون. وعوضًا عنهم، وجّهت الأرجنتين دعوتها للبيرو، كما استخدمت حقها في دعوة إضافية ومنحتها للإكوادور بصفتها الدولة المضيفة.
أما بطولة عام 1950، فقد كشفت عن مدى ولع الجماهير بكرة السلة الوطنية، حيث عمّت الهتافات الصاخبة أرجاء المدرجات مع كل حركة للاعبين ممثلي بلادهم.
شهدت المباراة الافتتاحية أول نقاط في تاريخ كأس العالم لكرة السلة على يد نيبوجشا بوبوفيتش من يوغوسلافيا، لكن منتخب بيرو حقق الفوز بنتيجة 33-27.
وبعد 29 مباراة امتدت لما يقارب أسبوعين، جاء الختام في صالة لونا بارك بالعاصمة بوينس آيرس في مشهد استثنائي، حيث تفوّقت الأرجنتين على الولايات المتحدة بنتيجة 64-50 لتتوج بأول لقب عالمي في تاريخ كرة السلة.
ما إن دوّت صافرة النهاية، تدفق الجمهور إلى أرضية الملعب، وانطلقت الاحتفالات في كل أرجاء بوينس آيرس، حيث أشعل المشجعون الصحف تعبيرًا عن فرحتهم، ليصبح هذا الطقس الاحتفالي فيما بعد علامة مميزة تعرف باسم "ليلة المشاعل"، أحد الرموز الثقافية الفريدة للأرجنتين.
أقيمت الجولات التمهيدية بنظام الإقصاء المزدوج لتحديد الفرق الستة المتأهلة إلى الجولة النهائية، فيما لعبت الدول الأربع غير المتأهلة في جولات تصنيفية لتحديد مراكزها النهائية. وبعد فوز الأرجنتين والولايات المتحدة في أول أربع مباريات لهما، التقيا في مواجهة أشبه بالنهائي الحاسم على اللقب.
فازت الأرجنتين بكأس العالم لكرة السلة كأول بطل تاريخي، تلتها الولايات المتحدة، ثم تشيلي بعد الفوز في مباراة كسر التعادل، تليها البرازيل، مصر، فرنسا، البيرو، الإكوادور، إسبانيا، ويوغوسلافيا.
حصد أوسكار فورلونغ لقب أفضل لاعب في البطولة، ليُخلّد اسمه كأول نجم دولي يتألق على مسرح كرة السلة العالمية.
تصدر أوسكار فورلونغ قائمة هدافي الأرجنتين بمعدل 11.2 نقطة في كل مباراة، وكان الرابع على مستوى البطولة بأكملها. وانضم إليه زميله ريكاردو غونزاليس، وجون ستانيتش من الولايات المتحدة، وروفينو بيرنيدو من تشيلي، وألفارو سالفادور من إسبانيا، ليشكّلوا معًا التشكيلة المثالية للبطولة. وتجدر الإشارة إلى أن سالفادور تصدّر قائمة هدافي البطولة بمعدل 13.6 نقطة لكل مباراة.
يعتبر أوسكار فورلونغ وريكاردو غونزاليس، اللذان قادا المنتخب المضيف لتحقيق ستة انتصارات متتالية، من أبرز الأسماء في قاعة مشاهير الاتحاد الدولي لكرة السلة كما حظي مدرب المنتخب الأرجنتيني آنذاك، خورخي كانافيسي، بشرف الانضمام إلى هذه القاعة المرموقة.
على الرغم من أن الأرجنتين لم تُعتبر مرشحًا للقب بعد أن جاءت في المركز الخامس عشر من بين 23 فريقًا في أولمبياد 1948، إلا أن منتخبها أبدع في بوينس آيرس ولم يذق طعم الخسارة.
توافد أكثر من عشرين ألف متفرّج إلى مجمع "لونا بارك" لحضور المواجهة الحاسمة على اللقب بين الأرجنتين والولايات المتحدة، فيما عجز كثيرون عن دخول الصالة المكتظّة واضطروا إلى متابعة الحدث من الخارج.
بلغت إثارة المباراة ذروتها، حيث أنهى المنتخب الأرجنتيني الشوط الأول متقدماً 34-24، ورغم محاولات المنتخب الأمريكي لتقليص الفارق إلى 40-37 في الربع الثاني، إلا أن الأرجنتين أحكمت قبضتها على اللقاء حتى صافرة النهاية.
قدّم فورلونغ عرضاً لافتاً بتسجيله 20 نقطة، منها 8 من أصل 10 من خط الرميات الحرة، فيما دعمَه هوجو ديل فيكيو بتسجيل 14 نقطة قيّمة. أما جون ستانيتش فكان الأبرز في صفوف المنتخب الأمريكي بـ 11 نقطة. ومع اشتداد الضغط، تلقّى الأمريكيون ضربة موجعة بخروج سبعة لاعبين بالأخطاء، إذ كان الحد المسموح آنذاك أربعاً فقط، ليكملوا الدقائق الأخيرة بأربعة لاعبين فقط داخل الملعب.
الإتحاد الدولي لكرة السلة